Friday, February 26, 2010

النسبية

النسبية! من أين أبدأ و عن ماذا أتكلم؟ إذ لا بداية و لا نهاية فالكل نسبي. الزمن نسبي و المكان نسبي ... العلم نسبي و الخلق نسبي... القوة نسبية و الضعف نسبي ...السرعة نسبية و البطء نسبي... الأفق نسبي و الأمل نسبي... الكل نسبي.

لأن الوجود ذاته نسبي و تعريفة نسبي لأن الوجود يعرف نسبأً لما هو موجود فيقولون أن الوجود هو كل ما هو موجود ولا موجود إلا في الوجود. فنعرف الموجود بانتسابه للوجود و نعرف الوجود بانتساب الموجودات فيه إليه ... نسبية... الكل نسبي.

لا مطلق ... و ما نطلق عليه مطلق ما هو إلا أحد النسبيات التي نتخذها كمرجع لننسب إليها ما عداها... لا نقطة أصل ... لا مرجع ... فلا بداية و لا نهاية لأن الكل نسبي. أتحداك أن تعطي مثالاً لمطلق واحد... فالصفر المطلق هو درجة حرارة مادة معينة عند ظروف معينة, من قال أنها مطلقة؟ و نقطة الأصل هي النقطة التي تحددها أنت و ساعة الصفر هي الساعة التي يحددها القائد... أين المطلق؟ لأنه متي يبدأ اليوم؟ أعند بزوغ الشمس؟ فاليوم أيضاً نسبي...لأن الشمس تسطع في يومك حين تغرب منهية يوم آخر... من هو الطويل؟ من هو النحيف؟ من هو الذكي و من هو القوي؟ الكل نسبي... فالطويل هو من ذاد في الطول عن جماعته و النحيف من قل عنهم وزنه و الذكي من فاقهم و القوي من قهرهم.

فالأبدية نسبية و الأزلية نسبية. فالقيام إذا نسبي و السقوط أيضا نسبي... فلا صواب و لا خطأ بالمطلق, فما هو خطأ الآن أو ما هو غير مباح قد يكون بالنسبة لثقافة أخري مباح و صواب... لأن ما قد تعفوا عنه لإنسان قد لا تتنازل عنه مع آخر... لأن نظرتك للأمور الآن ستتغير بعد قليل... أما يحب الطفل السكريات و يشب عاشقاً للحاذق؟ أليس الابن الذي يقبل منه البصق و اللطم بحب هو هو الابن الذي صار متمرداً؟ أليس الأب العطوف الذي لا غني عنه هو هو الأب الكهل العبء؟ أو ليست حكمة أبناء النور عند الناس جهالة؟ و احتمالهم للآخر ذل؟ و انتصارهم هزيمة؟ فما هي الخطية و ما هو العمل المقدس إلا ما كان خطية بالنسبة لفكرك و ما كان مقدس بالنسبة لفكرك لأن كل من يعرف أن يعمل خيراً و لا يعمل فتلك خطية له. لأن الخطية هي كل ما تعمله و هو لا يليق بالنسبة لك. أي خطية مطلقة؟ لا خطية بالمطلق بل الكل نسبي. لأنه إن كان القتل خطية, و قال الرب لا تقل, فالقتل هنا نسبي, لأن "داود" قتل جليات باسم الرب و ليست خطية, و لم يقتل بالفعل "أوريا الحثي" و إنما دفعه للموت فحسبت له خطيه قتل لم يبني بيت الرب بسببها. لأن الزنا خطية البشر ليس خطية عند الحيوانات. و ما تحسبه حكمة هو كذب و ما تظنه غش هو شطارة. حتى الخطية نسبية.

لأن ما تراه ضعف هو قوة و ما تحسبه قوة هو ضعف... و ما تسعي إليه لا تناله و ما ترفضه يسعى إليك. فإذا طلبت ملكوت السموات و تركت الأرضيات: تزاد الأرضيات كلها. و إن عرجت علي الطريقين لتنال الاثنين: لرقصت علي السلم. إن أهملت حسبوك مهم و إن اهتممت حسبوك في احتياج إليهم. و الجميلة في عينيك قبيحة في عينيه, حتى الجمال نسبي.. و ما تراه رشيق رأوه نحيف و ما تحسبه صحة يؤكدون انه سمنة. و ما هو حسن تصرف إنما هو تعنف, و ما هو التزام إنما هو بيروقراطية. كلها أحكام نسبية.

لأن المطلق الوحيد في معرفتنا اثنان: الكمال الإلهي و الحب الإلهي. فالكمال الإلهي هو الكمال المطلق و الحب الإلهي هو الحب المطلق. فأزليته و أبديته و سلطانه مطلقة كلها, لكن لا معرفة لنا بهم, إنما نعلم بهم فقط. أما الحب الإلهي المطلق فنعرفه تمام المعرفة حين تجسد الكلمة و فدانا, و الكمال الإلهي نعرفه إذ هو الذي بلا عيب و بلا خطية و رأينا كماله حين تجسد و فدانا و عاش بيننا معطياً لنا المثل للمطلق المبتغي, و لكننا للأسف رفضنا المطلق و اشتهينا بل تشبثنا بالنسبي, فنحكم و ندين و نخطئ و نسعى نحو كل ما هو نسبي. اشتهينا المجد النسبي و الثراء النسبي و الارتواء النسبي و الجمال النسبي. في حين أن المطلق بين أيدينا, لكننا رفضناه كما رفضه آباؤنا. غلظنا رقابنا. قسونا قلوبنا.

ربي يسوع, أيها الحب المطلق, أتحبني؟ أعلم يا رب أنك تحبني. إنما أستدرك عطفك يا جزيل الرحمة لكي ما تنظر لعبدك الذي تاه كثيراً و تعب أخيراً و قال : أقوم أعود لربي, ربي الذي أحبني حتى مات عني و هو القادر علي كل شئ السرمدي ملك السلام. ربي يسوع, اعطنا أن نعمل للمجد المطلق و الحرية المطلقة و للحياة الأبدية فننعم بسلامك المطلق. و المجد لله دائماً.

No comments:

Post a Comment

ShareThis